لم تعد صناعة البناء مجرد وسيلة لإنجاز المشاريع بشكل أسرع، بل أصبحت تمثل تحولًا جذريًا في طريقة تفكيرنا بالبناء. فرغم أن السرعة هي العنوان البارز، إلا أن جوهر هذا النهج يكمن في تبني فلسفة مختلفة تؤثر على كل مرحلة من مراحل دورة حياة المشروع.
صناعة البناء لا تقتصر على تقنيات التصنيع خارج الموقع فقط، بل تتمحور حول تبني مبادئ التصنيع مثل: القياس الدقيق، التصنيع المسبق، والإنتاج الرشيق (Lean Production) وتطبيقها بذكاء في قطاع البناء.
كما تؤكد “آمي ماركس”، رئيسة إستراتيجية صناعة البناء في شركة أوتوديسك:
“لا يمكنك ببساطة إسقاط ممارسات التصنيع على مشاريع البناء وتتوقع نتائج فورية. الأمر يتطلب إعادة تفكير كاملة في سلسلة القيمة.” [1]
تعتمد صناعة البناء على:
هذه المبادئ تهدف إلى تقليل الهدر والتكرار والأخطاء التي تنتج عادة عن الفصل بين مراحل التصميم والهندسة والتنفيذ في الطرق التقليدية.
في البناء التقليدي، يعمل المعماريون والمهندسون والمقاولون في جزر منفصلة. أما في صناعة البناء، فإن التكامل بين التصميم، والهندسة، والتصنيع، واللوجستيات، والتركيب هو شرط أساسي منذ البداية.
يشبه هذا النهج ما يحدث في صناعات مثل السيارات والطيران، حيث يتم ربط التصميم الرقمي بسلاسل التوريد والتصنيع المتقدم. ووفقًا لتقرير صادر عن “ماكينزي”، يمكن أن تؤدي صناعة البناء إلى زيادة الإنتاجية بنسبة تصل إلى 60% وتقليل التكاليف بنسبة 30% عند تنفيذها بالشكل الصحيح [2].
يخطئ البعض في الاعتقاد أن صناعة البناء تعتمد على تجميع وحدات جاهزة بطريقة جامدة. في الحقيقة، هو نهج تصميمي منظّم يسمح بالأداء العالي والمرونة.
تقول “جينيفر سكانلون”، الرئيس التنفيذي لشركة UL Solutions:
“النهج الصناعي الحقيقي لا يحد من الإبداع في التصميم، بل يُعزّز الأداء والجودة.” [3]
صناعة البناء ليست حلًا سحريًا، ولا تصلح لكل مشروع أو لكل شركة. لكنها أداة قوية لمن لديهم الجرأة لإعادة التفكير في طرقهم الحالية. من فوائده الرئيسية:
كما أن هذا النهج يصبح أكثر أهمية في ظل نقص العمالة وارتفاع أسعار المواد وتزايد القيود التنظيمية.
تمثل صناعة البناء انتقالًا من بناء تفاعلي إلى بناء استباقي قائم على التكامل الذكي والتصميم الواعي والتنفيذ الاستراتيجي. ومن يتبنى هذا التحول، لا يستفيد فقط من السرعة، بل يحصل أيضًا على مرونة أكبر، واستقرار في الجودة، وقدرة على التوسع في السوق.